فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قرأ أبو جَعْفَر المَدَنِي {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ} بتخفيف الياء فيهما جميعًا، واعلم: أن «لَيْسَ» فعْلٌ، فلابد من اسْمٍ يكون هو مُسْندًا إليه، وفيه خلافٌ:
فقيل: يَعُود ضَمِيرُها على مَلْفُوظٍ به، وقيل: يَعُود على ما دَلَّ عليه اللَّفْظُ من الفِعْل وقيل: يَدُلُّ عليه سَبَبُ الآيَةِ.
فأمَّا عَودْهُ على مَلْفُوظٍ بِهِ فقيل: هو الوَعْدُ المتقدِّم في قوله: {وعد الله} وهذا اختيار الزَّمَخْشَرِي؛ قال: «في لَيْس ضَمِيرُ وعدِ الله أي: لَيْس يُنالُ ما وعد الله من الثَّواب بأمانِيِّكم ولا بأمَاني أهل الكِتَابِ، والخطابُ للمُسْلِمين؛ لأنَّه لا يُؤمن بوعِد الله إلا مَنْ آمَن بِهِ».
وأمَّا عَوْدُه على ما يَدُلُّ عليه اللَّفْظ، فقيل: هو الإيمان المَفْهُومُ من قوله: {والذين آمنوا} وهو قولُ الحسن، وعنه: «ليس الإيمانُ بالتَّمَنِّي».
وأمَّا عودُه على ما يَدُلُّ عليه السَببُ، فقيل: يعودُ على مُجَاوَرةِ المُسْلِمين مع أهلِ الكِتَابِ، وذلك أنَّ بعضهم قال: «دينُنا قبل دينِكُم، ونبيُّنَا قبل نَبيِّكم؛ فنحن أفضلُ»، وقال المُسْلِمُون: «كتابُنا يَقْضِي على كِتابِكم، ونبينا خَاتَمُ الأنْبِياء» فنزلت.
وقيل: يعودُ على الثَّوابِ والعِقَاب، أي: ليس الثَّوَابُ على الحَسَنَاتِ، ولا العقابُ على السيّئات بأمانيكم.
وقيل: قالت اليهودُ {نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]، ونحن أصْحَاب الجَنَّة، وكذلك النَّصَارى، وقالت كُفَّار قُرَيْش: لا نُبْعَثُ؛ فنزلت، أي: ليس ما ادَّعَيْتُمُوه يا كُفَّارَ قريش بأمانيِّكم.
وقرأ الحسن، وأبُو جَعْفَر، وشَيْبةُ بن نصاح، والحَكَم، والأعْرَج: {أمانيكم}، {ولا أمَانِي} بالتَّخْفِيف كأنَّهم جَمَعُوه على فَعَالِل دون فَعَالِيل؛ كما قالوا: قَرْقُور وقراقير وقراقِر، والعرب تُنْقِصُ من فَعَالِيل اليَاء، كما تزيدُها في فَعَالِل، نَحْو قوله:
تَنْقادَ الصَّيَارِيفِ

قوله: {وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} قرأ الجمهور بجزم {يَجِدْ}، عطفًا على جواب الشرط، وروي عن ابن عامر رفعه، وهو على القطع عن النسق.
ثم يُحْتمل أن يكون مستأنفًا وأن يكونَ حالًا، كذا قيل، وفيه نظرٌ من حيث إنَّ المضارع المنفي بـ «لا» لا يقترن بالواوِ إذا وقع حالًا. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)}
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قالت العرب: لا نبعث ولا نحاسب، وقالت اليهود والنصارى {لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة: 111]. وقالوا: {لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة} [البقرة: 80] فأنزل الله: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مسروق قال: احتج المسلمون وأهل الكتاب فقال المسلمون: نحن أهدى منكم. وقال أهل الكتاب: نحن أهدى منكم. فأنزل الله: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} فانفلج عليهم المسلمون بهذه الآية {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن...} [النساء: 124] الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مسروق قال: تفاخر النصارى وأهل الإسلام فقال هؤلاء: نحن أفضل منكم. وقال هؤلاء: نحن أفضل منكم. فأنزل الله: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم. وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم، ونبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله. فأنزل الله: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} إلى قوله: {ومن أحسن دينًا} الآية. فأفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: التقى ناس من المسلمين واليهود والنصارى فقالت اليهود للمسلمين: نحن خير منكم، ديننا قبل دينكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن على دين إبراهيم، ولن يدخل الجنة إلا من كان يهوديًا. وقالت النصارى مثل ذلك. فقال المسلمون: كتابنا بعد كتابكم، ونبينا بعد نبيكم، وديننا بعد دينكم، وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم فنحن خير منكم، نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ولن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا. فرد الله عليهم قولهم فقال: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} ثم فضل الله المؤمنين عليهم فقال: {ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفًا} [النساء: 125].
وأخرج ابن جرير من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك قال: تخاصم أهل الأديان فقال أهل التوراة: كتابنا أول كتاب وخيرها، ونبينا خير الأنبياء. وقال أهل الإنجيل نحوًا من ذلك، وقال أهل الإسلام: لا دين إلا الإسلام، وكتابنا نسخ كل كتاب، ونبينا خاتم النبيين، وأمرنا أن نعمل بكتابنا ونؤمن بكتابكم، فقضى الله بينهم فقال: {ليس بأمانيكم ولا أمانيِّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} ثم خير بين أهل الأديان ففضل أهل الفضل فقال: {ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن...} [النساء: 125] الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق جويبر عن الضحاك قال: افتخر أهل الأديان، فقالت اليهود: كتابنا خير الكتب وأكرمها على الله، ونبينا أكرم الأنبياء على الله موسى خلا به وكلمه نجيا، وديننا خير الأديان. وقالت النصارى: عيسى خاتم النبيين، آتاه الله التوراة والإنجيل، ولو أدركه محمد تبعه، وديننا خير الدين. وقالت المجوس وكفار العرب: ديننا أقدم الأديان وخيرها. وقال المسلمون: محمد رسول الله خاتم الأنبياء وسيد الرسل، والقرآن آخر ما نزل من عند الله من الكتب، وهو أمير على كل كتاب، والإسلام خير الأديان، فخير الله بينهم فقال: {ليس بأمانيكم ولا أمانيِّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} يعني بذلك اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب، ولا يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرًا، ثم فضل الإسلام على كل دين فقال: {ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله} [النساء: 125] الآية.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: قال أهل التوراة: كتابنا خير الكتب أنزل قبل كتابكم، ونبينا خير الأنبياء. وقال أهل الإنجيل مثل ذلك، وقال أهل الإسلام: كتابنا نسخ كل كتاب، ونبينا خاتم النبيين، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا، فقضى الله بينهم فقال: {ليس بأمانيكم ولا أمانيِّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} وخير بين أهل الأديان فقال: {ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه} [النساء: 125] الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: جلس أناس من أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الإيمان، فقال هؤلاء: نحن أفضل منكم. وقال هؤلاء: نحن أفضل. فقال الله: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} ثم خص الله أهل الأديان فقال: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى} [النساء: 124].
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} قال: قريش وكعب بن الأشرف.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قالت اليهود والنصارى: لا يدخل الجنة غيرنا. وقالت قريش: لا نبعث. فأنزل الله: {ليس بأمانيكم ولا أمانيِّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} والسوء: الشرك.
وأخرج أحمد وهناد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن جرير وأبو يعلى وابن المنذر وابن حبان وابن السني في عمل اليوم والليلة والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن أبي بكر الصديق.
أنه قال «يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} فكل سوء جزينا به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تنصب، ألست تمرض، ألست تحزن، ألست تصيبك اللأواء؟ قال: بلى. قال: فهو ما تجزون به».
وأخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن مردويه والخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عمر قال: سمعت أبا بكر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يعمل سوءًا يجز به في الدنيا».
وأخرج ابن سعيد والترمذي الحكيم والبزار وابن المنذر والحاكم عن ابن عمر. أنه مر بعبدالله بن الزبير وهو مصلوب فقال: رحمك الله يا أبا خبيب، سمعت أباك الزبير يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يعمل سوءًا يجز به في الدنيا».
وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن المنذر عن أبي بكر الصديق قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرًا} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر ألا أقرئك آية نزلت عليّ؟ قلت: بلى يا رسول الله، فاقرأنيها فلا أعلم إلا أني وجدت انفصامًا في ظهري حتى تمطيت لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك يا أبا بكر؟ قلت: بأبي وأمي يا رسول الله، وأينا لم يعمل السوء وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت وأصحابك يا أبا بكر المؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب، وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة».
وأخرج ابن جرير عن عائشة عن أبي بكر قال: لما نزلت {من يعمل سوءًا يجز به} قال أبو بكر: يا رسول الله كل ما نعمل نؤاخذ به؟ فقال: «يا أبا بكر أليس يصيبك كذا وكذا... فهو كفارة».
وأخرج سعيد بن منصور وهناد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه عن مسروق قال: «قال أبو بكر: يا رسول الله ما أشد هذه الآية {من يعمل سوءًا يجز به} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المصائب والأمراض والأحزان في الدنيا جزاء».
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن عائشة. أن رجلًا تلا هذه الآية {من يعمل سوءًا يجز به} قال: إنا لنجزى بكل ما عملناه هلكنا إذن، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «نعم، يجزى به المؤمن في الدنيا في نفسه، في جسده، فيما يؤذيه».
وأخرج أبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي «عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله إني لأعلم أشد آية في القرآن قال» ما هي يا عائشة؟ قلت: {من يعمل سوءًا يجز به} فقال: هو ما يصيب العبد من السوء حتى النكبة ينكبها، يا عائشة من نوقش هلك، ومن حوسب عذب. فقلت: يا رسول الله أليس الله يقول: {فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} قال: ذاك العرض، يا عائشة من نوقش الحساب عن هذه الآية {من يعمل سوءًا يجز به} قال: «إن المؤمن يؤجر في كل شيء حتى في الغط عند الموت».
وأخرج أحمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن ليكفرها».
وأخرج ابن راهويه في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن أبي المهلب قال: رحلت إلى عائشة في هذه الآية {من يعمل سوءًا يجز به} قالت: هو ما يصيبكم في الدنيا.